
” أنني محكوم عليّ بالعيش“ تلك كانت احدى اعترافات أصدقاء هاري..
” كلا، يقيناً، لم تكن هناك قوة في العالم بوسعها ان تقنعني اخيراً بإختبار الرعب الهائل لمواجهه اخرى مع ذاتي.” و كانت هذه احدى دفاعات هاري بطل رواية ذئب السهوب لهيرمان هيسه..
تعرفت على هيرمان هيسه اثناء قرائتي لبيغوفيتش ٢٠١٥، وعند حديثه عنه ، أخذني الحماس للقراءه له، فرحتُ ابحث عن روايته ” لعبة الكريات الزجاجية” و قمت بتحميلها في هاتفي، لقرائتها! ربما بعد ايّام قليله بدأت بقرائتها، لكنني لم اكمل! لقد كان النص عصياً عليّ او انني كنت امر بحالة نفسيه غير مناسبة لقراءة هذا الكتاب ، قمت بتأجيله الى أجلى غير مسمى ، تعطل هاتفي واستبدلته بإخر ، ونسيت امر هيسه و روايته و القراءه له! بعد سنتان و نصف و ربما أكثر ، وجدت اثناء بحثي ، رواياته الاخرى ” ذئب البراري” و قمت بتحميلها ، لقراءتها في وقت غير محدد.
مـر الوقت و قررت ان اقرأها، بعد توقف قصير عن قراءة الأدب، ولأنني كنت في حالة اشتياق للأدب و الرواية خصوصاً ، كانت ذئب البراري هي الاختيار.
بدأت القراءه ، وكان النص يتضح لي انه يحتاج صفاء ذهن، تركيز ايضاً ، قراتها كذلك، مع توقف لإيام بسب بعض الاعمال و المهمات اللازمه، وعدت لها في اجازه العيد، مع انني قبل البدء في قرائتها مع انني كنت قد قررت ان اقرأ لدستايفسكي او إبراهيم السكران في هذه الاجازه ، “لكن ذئب السهوب اكلت الجو “.. ترجمة الرواية بهذا العنوان “ذئب السهوب ” كانت الأمتع بالنسبة لي.
كانت المقدمة التي تحدث بها احد شخوص الروايه في البدايه ثم توارى ، في منتهى الإبداع ، بديعه في الوصف، وصف ذئب السهوب ، وكم أخذ خيالي يجول لكي يرسم في مخيلتي صوره عن ذئب السهوب “الشكل” ، كان يحاول .. يحاول .. الا انه لم يعطيني صوره واضحه حتى الان، لكن أقول مره اخرى ان المقدمة بديعه .. بديعه جداً، لقد أحسسّت بكل تلك الاوصاف التي كان يتصف بها ذئبنا، أحسست بها أحساساً ممتعاً وحقيقي، كتن له تأثير حقيقي عليّ، كانت هذه المقدمة تمثل لي الخلفيه الرائعه عن أطروحة ذئب السهوب، بالمناسبة قرأتها قبل و بعد الرواية.
بدأت المدونه الاولى بهذه البدايه؛
“مضى النهار كـغيره من الأيام، قتلته وفقاً لإسلوبي البدائي المنعزل في الحياة، و قرأت صفحات كـتب عتيقه، عانيت الاماً لمده ساعتين كما يحصل مع العجائز، تناولت مسحوقاً مخدراً و فرحت كثيراً حينما وافق الالم على التلاشي“
يستمر الذئب بسرد يومياته و كيف تسير الحياة معه، قرية صغيره، يوجد بها مقهى و مكتبه و ممرات، و السير فيها ليلاً كان لعبة الذئب.
كان هاري يشعر ان هناك روحين في نفسه، روح ذئب وروح بشري، تلك الثنائيه التي لا تعرف السلام.
لم يكن هناك وصفاً تفصيلاً عن حياة الذئب او حياة البشري ، لكنّ هناك وصف للعذاب و للصراع بينهما، للتأثير السلبي على الروح و انعكاس ذلك على الحياة اليوميه.
لكن يحدث التغيير حين يرى هاري في احد جولاته وميضاً لامعاً على احد المباني، وكان هذا الوميض دعوه لتخلي عن حياة الذئب ، عن حياة البشري ، عن حياة هاري المولع بالأدب و الثقافه و الموسيقى عن البرج الخاص الذي يرى الحياة منه ، لسلوك طريق اخر، طريق يعتمد على عيش اللحظه الراهنة، الانغماس باللذه، وحضور المراه المشاكسة المفكرة، لكن تلك التي هربت من معاناتها الى هذا الطريق ، فكرة اللذه و الجسد و اللا اخلاقيه والنسيان.
أحببت هاري البائس و الذي يشعر بالوحده اكثر من هاري الذي استسلم لإغواء أمراه، لكي يهرب من الجحيم، هاري البائس كان مستقل، كان صادق.. كان أخلاقي. لذلك أحببّته، وكان شعوره بالبؤس يستفزني، يستفزني جداً و كأن البوس يحيط بي.
هاري صديق هرمينه، كان يهرب من الجحيم معها لكنّه مسكون بالماضي، مسكون برموزه الخالدين و الذي كان وضعهم في منزلة الملائكه.
هاري هو اكثر شخصيه روائية تعاطفت معها و اريد ان امد لها يدي.

”كلا، يقيناً، لم تكن هناك قوة في العالم بوسعها ان تقنعني اخيراً بإختبار الرعب الهائل لمواجهه اخرى مع ذاتي.”

بالمناسبة؛ المقدمة كانت من أحد الكُتاب و كانت رائعه، و الترجمة ايضاً.